مازال الحوار مستمراً لتفنيد مرجعيات التيار الذى يعتمد على فهمه الخاص الضيق للنصوص الدينية فى تأجيج نار الفتنة الطائفية، ومازلت أعرض حجج الشاب السلفى الذى يبرر رفضه مبدأ المساواة بين المسلم والمسيحى فى ظل دولة دينية بقوله «الشريعة واجبة النفاذ، ولهذا شُرع الجهاد لتغيير النظم المنحِّية لشرع الله بالقوة والسيف (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، أما العقائد فهى بالحكمة والموعظة الحسنة، أما الجزية فمن الظلم أن يزج بمسيحى فى قتال قد يقتل فيه فى سبيل راية لا يدين بها، فضلا عن أنها ليست ضرائب فلا ضرائب فى الشرع،

أما موالاة النصارى فى شعائرهم الدينية وتهنئتهم بها فهى كفر ناقل من الملة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ..)، وإن احتججت بقولكم الشهير كليبراليين وعلمانيين بأن القرآن حمال أوجه وهناك فهم غير فهمك، فالحل يسير على من أراد الحق.. كيف؟ الالتزام بالأدلة الشرعية، وإن اختلفنا فى التأويل فهناك فهم لا يختلف عليه إلا من لا نصيب له فى الإسلام أو جاهل، والسؤال: نأخذ إسلامنا من ابن عباس أم من على جمعة؟».

يرد د. سعدالدين هلالى، أستاذ الفقه المقارن: «الشريعة تابعة للعقيدة، فإذا سلمنا بأحقية الناس فى اختيار عقائدهم فالواجب أن نسلم لهم باختيار شرائعهم التى يزعمون تبعيتها للعقيدة، إن الشريعة الوحيدة التى تدفع بالقوة هى شريعة الظلم والفساد حتى ولو من مسلم، فقد أخرج البخارى أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: (من قُتل دون ماله فهو شهيد) سواء كان الغاصب مسلماً أو غير مسلم، وما دون الظلم والفساد لا يجوز لأحد أن يفرض شريعته على غيره، لأن الظلم قبيح عقلا وشرعا».

يرد د. هلالى على مسألة الجزية قائلاً: «الجزية عبارة عن مساهمة غير المسلم فى ميزانية الدولة، كما أن المسلم يساهم وجوباً بالزكاة، ومقدار الجزية محل خلاف بين الفقهاء، وهذا الخلاف فى قيمة الجزية يجعلها خيارا شرعيا وليس فرضا لازما، إذ لو كانت فريضة لقطع بمقدارها مثل الزكاة، ويؤكد هذا إجماع الفقهاء على أنه يجوز للإمام أن يسقطها إذا وجد فى ذلك مصلحة، وتهنئة النصارى فى أعيادهم كيف تكون كفرا بدلالة قوله تعالى (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء).. إن هذه الآية تنهى عن اتخاذ اليهود بصفتهم الدينية، أو النصارى بصفتهم الدينية أولياء للمسلمين فى تعليمهم الدين، أما اتخاذهم فى تعليم الطب والهندسة والزراعة.. إلخ، فهو جائز بالإجماع، ولم يقل أحد إن ذلك منهى عنه بالآية المذكورة، ثم إن هذه الآية ليس فيها نهى عن التهنئة بعيد لليهود والنصارى».

يرفض د. هلالى مفهوم الدولة الدينية الذى يطرحه هؤلاء السلفيون فيقول: «إن كان المقصود بها أن يلغى الناس عقولهم لتكون فتاوى البعض هى الدين الواجب اتباعه فهذا يرفضه الإسلام قبل أن يرفضه المصريون، لأن الفتاوى عبارة عن اجتهادات تحتمل الصواب والخطأ، ومن ثم فإن الحق فى اختيار إحدى تلك الفتاوى ليس لفئة معينة وإنما هو حق لعموم الناس أو من يختارونهم فى تمثيلهم.

أما مقارنتك بين ابن عباس والمفتى أو أى مجتهد فيمكنك الرجوع إلى كتب التراث فى التفسير لتجد المفاجأة فى أن كبار الصحابة قد اختلفوا فى أكثر، إن لم يكن فى كل، الأحكام الفقهية العملية، فهذا عمر يقول بوجوب الزكاة فى حُلى المرأة، خلافا لابن عمر الذى قال بأنه عفو، وهذا عمر الذى يرى وقوع الطلاق ثلاثا بلفظ واحد، خلافا لعلى بن أبى طالب، وهذا ابن عباس يقول باختلاف مطالع الأهلة فى رمضان وغيره، خلافا لمعاوية بن أبى سفيان.

وهكذا فى كل الأحكام تقريبا، فلماذا نقصر الخلاف بين صحابى وتابعى، مع أن الخلاف نفسه وقع بين الصحابة وبعضهم البعض، فمَن من الصحابة يُقدَّم على مَن؟».